كيف يجذب المغناطيس الأشياء؟

اكتشف القوة الخفية للمغناطيس من منظور علمي مبسط. تعلم كيف تعمل الإلكترونات على خلق المجال المغناطيسي، وكيف يُستخدم هذا المبدأ في تطبيقات حياتية مدهشة مثل المحركات الكهربائية والقطارات السريعة. مقال يجمع بين الشغف العلمي والتجربة العملية.

كيف يجذب المغناطيس الأشياء؟
كيف يجذب المغناطيس الأشياء: مقال للأطفال يشرح قوة المجال المغناطيسي والأقطاب والمغناطيس الدائم والحديد، العالم الصغير


يتساءل طفل وهو يلعب بمغناطيس صغير: كيف يمكن لهذه القطعة المعدنية أن تجعل المسامير تتراكض نحوها وكأنها كائن حي يمتلك قوة خفية؟ إن الشغف بهذا السؤال ليس جديدًا؛ فالبشر اكتشفوا قوة المغناطيس منذ آلاف السنين عندما وجدوا أن بعض الصخور في الطبيعة تجذب قطع الحديد. وراء هذا الانجذاب قصة عالم كامل من الإلكترونات والحقول غير المرئية يعمل في صمت ليجمع الأشياء أو يفرقها. فهم هذه القصة يفتح الباب لفهم أحد أهم القوى التي تبني عالمنا الحديث.

 سر القوة غير المرئية

كل ذرة في الكون تحتوي على نواة صغيرة تدور حولها الإلكترونات، وهذه الإلكترونات أشبه براقصين يحمل كل واحد منهم شحنة كهربائية ويخلق حركة دائرية صغيرة تسمى العزم المغناطيسي. في معظم المواد، تكون هذه العزوم موزعة عشوائيًا فتلغي بعضها بعضًا، فلا يظهر أي تأثير. لكن في الحديد وبعض المعادن الأخرى، يمكن لهذه العزوم أن تصطف مثل جنود في مسيرة واحدة إذا تعرضت لمجال مغناطيسي خارجي. عندما تصطف، تتحد قواها وتخلق مجالًا قويًا يمتد خارج المادة ويمد يده غير المرئية للأشياء المحيطة. لهذا السبب، إذا فركت مسمارًا بمغناطيس فسوف يصبح المسمار نفسه قادرًا على جذب مسامير أخرى لفترة قصيرة؛ لأن الإلكترونات في داخله قد اصطفّت قبل أن تعود إلى حالتها العشوائية.

المغناطيس له قطبان، شمالي وجنوبي، تمامًا مثل الأرض التي يعمل قطباها كمغناطيس عملاق يوجّه إبر البوصلة. إذا قربت قطبين متشابهين من بعضهما فسيدفع كل منهما الآخر، وإذا قربت قطبين مختلفين فسيتجاذبان. هذا السلوك البسيط يوضح لنا كيف تعمل القوى في الطبيعة على التوازن: التجاذب والتنافر هما وجها العملة نفسها، وهما السبب في استقرار الإلكترونات حول النواة وعدم انهيار الكون. حتى الأرض نفسها تدين بحياتها لهذا الحقل المغناطيسي، إذ يحمي الغلاف المغناطيسي كوكبنا من الرياح الشمسية ويمنعها من تجريد الغلاف الجوي.

 تطبيقات مدهشة

عندما نعرف أن المغناطيس مجرد ترتيب منظم للشحنات، ندرك أننا نستطيع خلق مغناطيسات بطرق عديدة. المغناطيس الدائم، المصنوع من مواد مثل الحديد أو النيوديميوم، يحتفظ بقوته لفترة طويلة لأن عزوم الإلكترونات فيه متماسكة. أما المغناطيس الكهربائي فيعتمد على تمرير تيار كهربائي عبر سلك ملفوف حول قطعة من الحديد؛ عندما يمر التيار تصطف الإلكترونات ويولد مجالًا قويًا، وإذا توقف التيار يختفي المجال. يمكنك صنع مغناطيس كهربائي بسيط في المنزل بلف سلك نحاسي حول مسمار وتوصيله ببطارية، ستفاجأ بكيف سيجذب الورق المشبع بالحديد أو المسامير ثم يفقد قوته عند فصل البطارية.

هذه المبادئ البسيطة تقف خلف محركات الكهرباء التي تدور في ألعابك ومراوح المنزل، إذ تحول الطاقة الكهربائية إلى حركة باستخدام قوى التجاذب والتنافر. كما تعتمد القطارات المغناطيسية الحديثة على مغناطيسات قوية لرفع العربات فوق السكة بحيث تنزلق دون احتكاك، مما يجعلها سريعة وصامتة. وحتى في حياتنا اليومية، تعمل الأقراص الصلبة في الحاسوب على تخزين المعلومات باستخدام مجالات مغناطيسية صغيرة جداً. أليس من العجيب أن نفس القوة التي تجعل إبرة بوصلة تتجه إلى الشمال هي نفسها التي تسمح لنا بتشغيل الأجهزة ومتابعة مسار الطائرات عبر أنظمة الملاحة؟

جرِّب في منزلك تجربة بسيطة: ضع ورقة على مغناطيس رش بعض برادة الحديد على الورقة، ستشكل البرادة خطوطًا جميلة تظهر شكل المجال المغناطيسي غير المرئي. هذه الخطوط ستذكرك بأن كل قوة في الطبيعة لها شكل وبنية، حتى وإن كانت لا ترى بالعين المجردة. يمكن للأطفال أيضًا أن يجمعوا مسامير في سلسلة بواسطة مغناطيس واحد، ثم يلاحظوا كيف تنتقل القوة من قطعة إلى أخرى. هذه التجارب تمنحهم إحساسًا بأنهم يسيطرون على أسرار الكون وتغذي فيهم حب الاستكشاف.

ما يجعل المغناطيسية ساحرة هو بساطتها وقوتها في الوقت نفسه. فهي تذكّرنا بأن الأشياء المتقابلة تجذب بعضها بعضًا، وأن التوازن بين القوى يمنحنا الاستقرار. عندما يفهم الأطفال أن المغناطيس ينجذب إلى الحديد بسبب ترتيب الجسيمات بداخله، سيفكرون في الأسئلة التالية: ماذا لو وجدنا مادة لا تتأثر بالمغناطيس؟ هل يمكن أن نصنع مغناطيسًا أقوى من أي شيء آخر؟ هذه الأسئلة ليست لعبة، بل بداية طريق نحو العلم. عندئذ يصبح المغناطيس قطعة من لغة الطبيعة التي يتعلم الطفل قراءتها، ويسير في مسار طويل يجمع بين التساؤل والتجربة والمعرفة.